نحو جماعة
وطنية لحقوق الإنسان والقانون[1]
منذ نشأة الحركة الحقوقية
المصرية وحتى اليوم وهي أسيرة لرد الفعل على انتهاكات حقوق الإنسان التى تحدث
للمواطنين والمواطنات ، وهو أمر كان يتناسب مع الطبيعة الاستبدادية للدولة
المصرية، والتى كانت تتعامل مع الحركة الحقوقية باعتبارها فصيلاً معارضاً لها، فمنعت
أي فرصة لتنظيم قوي المجتمع المدني عبر مصادرة الحق فى التنظيم والمحاولات
المستمرة لتدجينة.
ورغم ذلك فقد لعب المجتمع
المدني والحركة الحقوقية دوراً هاماً وأساسيا فى التمهيد والتبشير للموجة الأولي
من الثورة المصرية والتغيير، من خلال استخدام آليات الدفاع عن حقوق الإنسان
والتوعية بها، وقد نجحت تلك الآليات فى الغرض منها، وهو المساهمة فى الدفاع عن حقوق الإنسان فى مصر وفضح تلك
الانتهاكات وكذلك محاولة نشر ثقافة حقوق الإنسان.
إلا أنه وبعد نجاح الموجة
الأولي من الثورة المصرية ورغم تعثر موجاتها المتتالية فإننا أصبحنا أمام متغير
جديد فى المجتمع المصري، وهو مشاركة ملايين من الشباب والشابات فى حراك سياسي
واجتماعي ربما يكون الأكبر فى تاريخ الوطن، واستعداد مئات الآلاف منهم فى المشاركة
فى المجال العام من خلال الانخراط فى حركات منظمة.
فرغم هذا المتغير لم تكن
لدي كوادر وقيادات المجتمع المدني والحركة الحقوقية الرؤية أو القدرة على تنظيم
الوافدين الجدد وضمان انخراطهم فى حركات منظمة تعمل بالتشارك مع الحركة الحقوقية
أو تكون جزءاً منها، ورغم ذلك فقد أظهر المئات بل الآلاف من الشابات والشباب
رغبتهم وقدرتهم على الفعل فى مبادرات طوعية شاركت فى تأسيسها مثل مجموعة لا
للمحاكمات العسكرية للمدنيين وجبهة الدفاع عن متظاهري مصر وتعالوا نكتب دستورنا
وغيرها، إلا ان تلك المبادرات لم تجد من يعطي لها أفقا تنظيمياً يسمح للوافدين
والمتطوعين من الاستمرار، وتشكيل جماعات مصالح.
وهو الأمر الذي يفرض تغيرا
مماثلاً للحركة الحقوقية واستراتيجيها ومن ثم الأشكال التنظيمية التى تتناسب مع
الطبيعة الجديدة وربما الدور الجديد للحركة الحقوقية المصرية، .0لتحاول استيعاب
الوافدين الجدد على المجال العام.
كيف تتحول الحركة الحقوقية
من تحرك نخبوي إلى حركة مجتمعية/ شعبية
قد تكون الحركة الحقوقية
المصرية وربما فى المنطقة العربية الآن أمام فرصة تاريخية للتحول من تحرك نخبوي
يستهدف التأثير على صناع القرار باستخدام آليات وأدوات مهنية متخصصة إلى حركة مجتمعية
وجماعات ضغط تعمل بالشارع، وتصنع سياساتها فى المجتمع.
وحتى يتحقق ذلك فنحن بحاجة
إلى العمل على تغيير أمرين هما:
1.
شرعية حركة حقوق الإنسان والقيم التى تستند إليها
وذلك بأن تستند الحركة
الحقوقية فى عملها ووجودها لمبادئ وأهداف الموجة الأولي من الثورة المصرية من حرية
وديمقراطية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية ، وهي المبادئ والأهداف التى خرج من
أجلها الملايين فى ميادين مصر وهو المبادئ ذاتها التى خرج من أجلها الشعوب
المقهورة فى المنطقة العربية، بالإضافة إلى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وبذلك فتستند الحركة الحقوقية
إلى حركة الشعب فى الموجة الأولي من الثورة وتكون جزءاً منه وتكون شرعيتها مستمدة
من هذا الحراك، وهو ما ينهي العزلة النخبوية للحركة الحقوقية باعتبارها منظومة
غربية وغريبة عن مجتمعاتنا، وتحولها لجماعة وطنية.
2.
منظمات حقوقية من نوع جديد
أن المرحلة الحالية تحتاج
لمنظمات حقوقية من نوع جديد وذلك من خلال الاعتماد على منظمة العضوية التى
يديرها متخصصون ومهنيون، ويشارك فيها الأعضاء من أنصار حقوق الإنسان وفقا لتنظيم
أفقي غير هرميا/ رأسيا، يعتمد على مبادئ الديمقراطية والمشاركة والشفافية.
آليات عمل الجماعة الوطنية
( تغيير السياسات من أسفل)
ربما كان لم يكن بمقدور
الحركة الحقوقية فى الفترة الماضية أن تتبني تحركات فى الشارع لمناصرة حقوق
الإنسان أو الدفاع عنها، ومحاولة بناء سياسيات داعمة لحقوق الإنسان من الأسفل، واقتصر
الأمر على استخدام آليات دفاعية بالأساس مثل نشر/فضح انتهاكات السلطة لحقوق
الإنسان والتقاضي فضلا عن نشر التوعية وثقافة حقوق الإنسان، محاولين من خلال ذلك
التأثير على صناع القرار فى البلاد وتغيير السياسات المناهضة لحقوق الإنسان
لسياسات بديلة داعمة لها.
إلا أنه وبعد نجاح الموجة
الأولي من الثورة المصرية لابد من تغير فى أدوار الحركة الحقوقية لتتواكب مع
التغير الحاصل فى المجتمع المصري، حيث تبني الحركة الحقوقية استراتيجياتها وخططها بالمشاركة
مع أنصارها وأعضائها والقطاعات المجتمعية الداعمة لها، من أجل وضع السياسات
الداعمة لحقوق الإنسان والضغط لتنفيذها.
ولن تستطيع الحركة الحقوقية
بناء هذه الرؤية والاستراتيجيات والخطط دون مشاركة فعالة وواسعة من القطاعات
الداعمة والمؤمنة بحقوق الإنسان فى المجتمع، وهو ما يقتضي تغيراً فى الطبيعة
التنظيمية للحركة الحقوقية من منظمات متخصصة فى الدفاع عن حقوق الإنسان لمنظمات
مجتمعية تعمل وفقاً لآليات تعتمد على التخصص والحرفية.
ولا يمكن الآن – على الأقل –
التخلي بالكامل عن الآليات التقليدية للحركة الحقوقية مثل التقاضي ونشر الوعي
وثقافة حقوق الإنسان وفضح انتهاكات السلطة لحقوق المواطنين، ولكن يجب أن يسبق تلك
الآليات والأدوات ويتزامن معها حركة مجتمعية حول حقوق الإنسان.
ولذلك ستعمل الجماعة الوطنية
على دمج الآليات التقليدية للحركة الحقوقية مثل التقاضي والأبحاث والتوعية بحقوق
الإنسان كجزء من حراك سياسي واجتماعي مناصر ومؤيد لحقوق الإنسان يشارك فيه أعضاء
الجماعة ويديرونه.
وذلك من خلال المساهمة فى
خلق جماعات محلية مؤيدة لحقوق الإنسان وبنائها تعمل على الأرض وتناضل وتكافح من
أجل تغيير السياسات المناهضة لحقوق الإنسان، على أن ترتبط تلك الجماعات تنظيماً
بالجماعة الوطنية وتشكل جمعيتها العمومية وجمهورها الأساسي.
فعلى سبيل المثال فى حالة
ما إذا قررت الجماعة الوطنية العمل على قضية التعذيب فلن يقتصر الأمر على الدفاع عن
ضحايا التعذيب أمام المحاكم أو محاولة تغيير البنية التشريعية التى تحمي التعذيب
وجلاديه فقط، وإنما ستعمل أيضا على محاولة المساهمة فى خلق رأي عام وحركة فى
المجتمع رافضة للتعذيب ولها مطالب محددة فى إنهاء التعذيب وتغيير سياسات الدولة
التى تؤدي إليه، وكذلك مراقبة تنفيذ الدولة لهذه السياسة، على أن يكون هذه الحركة
الرافضة للتعذيب تستخدم الآليات التقليدية سواء الدفاعية القانونية منها أو
التثقيفية.
مراحل بناء الجماعة الوطنية
يرتبط بناء الجماعة الوطنية
لحقوق الإنسان والقانون لحد بعيد بالمرحلة الانتقالية الحالية ففى الوقت الذي
تتشكل فيه ملامح الدولة الجديدة فى مصر
يجب أن تتشكل الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون أيضا باعتبارها جزءاً من
التيار المدني الديمقراطي.
وللوصول إلى جماعة وطنية
مجتمعية تؤمن بحقوق الإنسان والقانون كأحد أسس الدولة الجديدة التى ستخرج من رحم
الثورة المصرية، فأنه يجب أن تمر بعدد من المراحل التى تضمن لها النجاح وذلك على
النحو التالي:
المرحلة
التأسيسية
وفى هذه المرحلة ستكون
الأولوية لتأسيس الجماعة الوطنية واستكمال مقومات وجودها سواء القانونية أو
المجتمعية، وذلك من خلال محاولة الوصول لأكبر عدد من القطاعات المؤيدة لحقوق
الإنسان والقانون والعمل معهم على قضايا المرحلة الانتقالية، وبناء قدراتهم
ليكونوا قادرين على تنظيم أنفسهم وتشكيل شبكات من المدافعين والمدافعات عن حقوق
الإنسان وخاصة خارج القاهرة.
ومن المنتظر ألا تقل تلك
المرحلة عن عام تنتهي بالدعوة لانعقاد جمعية عمومية للجماعة الوطنية لحقوق الإنسان
والقانون للإعلان عن الجماعة وطرق
الانضمام إليها واستراتيجياتها وطرق العمل فيها، وخلال هذه المرحلة سيقوم المؤسيسين
بإجراء حوار عميق وموسع حول هذه الأمور، لتكون الوثائق التى تخرج عن المؤتمر العام
للجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون معبره بشكل حقيقي عن المشاركين فيها.
وفى هذه المرحلة سنعمل على
قضية تنظيم الأفراد والجماعات ومساعدتهم على ذلك وربطهم بالجماعة الوطنية من خلال
فتح وإنشاء مرتكزات وبناء كوادر وقيادات فى المحافظات المختلفة تمهيداً للمرحلة
التالية وهي مرحلة الإعلان والتدشين.
سيعمل فريق العمل فى
البداية على تحقيق عدد من الخطوات والأهداف وهي:
·
نشر فكرة الجماعة وكسب المؤيدين والمناصرين لها بين صفوف
القطاعات المؤيدة لحقوق الإنسان والثورة.
·
إنشاء مرتكزات وبناء قيادات فى المحافظات ليكونوا اللبنة
الأولي فى بنيان الجماعة.
·
ضم أعضاء للجماعة فى المحافظات وربطهم بها.
·
العمل مع أعضاء الجماعة والمرتبطين بها فى المحافظات فى
قضايا المرحلة الانتقالية مثل المحاسبة والملاحقة القضائية وانتهاكات حقوق الإنسان
فى تلك المرحلة.
·
وضع القواعد واللوئح الداخلية ونظام العمل بالجماعة
الوطنية بالمشاركة مع المرتكزات والقواعد التى تعمل معها الجماعة فى المحافظات
تمهيداً للإعلان عنها فى مرحلة الإعلان والتدشين للجماعة.
مرحلة الإعلان والتدشين
بعد استكمال مقومات الجماعة
الوطنية القانونية والمجتمعية والارتباط بعدد من شبكات أنصار ومؤيدي الجماعة وحقوق
الإنسان، ستقوم الجماعة بالتدشين الرسمي لها والإعلان عن لوائحها الداخلية وطرق
الانضمام إليها وطريقة اتخاذ القرار بداخلها والاستراتيجيات التى ستعمل عليها
وخططها وغير ذلك من الأمور، مع مراعاة مبادئ الجماعة الوطنية.
وسيعمل فريق العمل فى
الفترة التى تسبق هذه المرحلة على وضع هذه القواعد والأسس بالمشاركة مع من تتواصل
معهم الجماعة من أنصار وأعضاء ومناصرين لحقوق الإنسان.
ميادين العمل فى المرحلة
التأسيسية
ستعمل الجماعة الوطنية فى
المرحلة التأسيسية على قضايا حقوق الإنسان سواء المتعلقة بالحقوق المدنية
والسياسية أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وستقوم فى تلك المرحلة بالتركيز بالعمل
خارج القاهرة على عدد من المجالات منها:
1. المساهمة فى
تكوين شبكات وروابط شعبية محلية وإقليمية لأنصار حقوق الإنسان والمدافعين
والمدافعات عنها، ومساعدتهم فى القيام بحملات ، والعمل معهم على قضايا محلية أو
أقليمية.
2.
تمكين المواطنين والمواطنات من ممارسه حقهم فى التنظيم.
3. تقديم الدعم
القانوني المباشر والاستراتيجي للمواطنين وخاصة التى تساعد أنصار حقوق الإنسان
والمدافعين عنها على القيام بعملهم.
4.
المساهمة فى تنظيم حملات لمحاسبة وملاحقة النظام البائد
وتوثيق جرائمه خلال أكثر من ثلاثون عاماً.
5.
وضع سياسات تشريعية بديلة تعتمد على حقوق الإنسان وسيادة
القانون، بدلا من التشريعات الاستبدادية
6. المساهمة في المنتجات
المعرفية مثل الأبحاث والأوراق القانونية والتقارير والإرشادات التى تساعد فى نشر
ثقافة حقوق الإنسان والتوعية بها لمساعدة أنصار حقوق الإنسان والمدافعين عنها فى
عملهم.
7. استخدام التقنيات الحديثة
للربط بين شبكات أنصار حقوق الإنسان والمدافعين عنها، وللمساهمة فى الحملات
الحقوقية والتوعية بحقوق الإنسان.
مبادئ الجماعة الوطنية
لحقوق الإنسان والقانون
تلتزم الجماعة بعدة مبادئ وقيم أخلاقية فى آليات
عملها أو فى أنشطتها وهي:
·
القيم والمبادئ التى نادت بها الثورة المصرية من حرية
وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية.
·
الايمان بأهمية العمل مع النشطاء والناشطات فى المنطقة
العربية لدعم حقوق الإنسان والقانون، وأننا جزء من تحرك شعبي مناصر لحقوق الإنسان
لجميع شعوب المنطقة.
·
الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإعلانات العالمية لحقوق
الإنسان.
·
الالتزام بقيم الدولة المدنية الحديثة وخاصة قيم
المواطنة وعدم التمييز.
·
تمثيل عادل للنساء والأقليات فى هيئاتها بشكل يعبر عن
تنوع المجتمع.
·
الاستقلال التام عن السلطات وكذلك التنظيمات الحزبية.
·
الانضمام للجماعة والمشاركة فى أنشطتها هو عمل طوعي
وباستثناء فريق العمل لا يتقاضي أي من أعضاء الجماعة أي أجر أو مزايا مادية.
·
يحظر على الجماعة تلقي أموال من جهات حكومية أيا ما كانت
كما أنها لا تتلقي أي أموال من الخارج أو الداخل إلا وفقا لضوابط تضمن الاستقلال
للجماعة ووفقا لقواعد الشفافية والديمقراطية الداخلية ومن كيانات أو شخصيات ليس
لها تاريخ فى معاداه الثورات فى المنطقة العربية ، على أن تعلن الجماعة عن سياساته
المالية بشكل واضح وشفاف.
[1] كتب المحامي والناشط
الحقوقي أحمد راغب هذه الورقة فى نهاية شهر يوليو 2012 كورقة رئيسية للجماعة
الوطنية وتم الموافقة عليها اعتمادها كورقة تعريفية للجماعة من قبل المؤسيسين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق